كلنا نعلم ان للشياطين غاية بل ويعدونها رسالتهم في الحياة وهي إضلال وإفساد العباد، قال تعالى ” إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ” [سورة فاطر] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ إبليسَ يضَعُ عرشَه على الماءِ، ثمَّ يبعثُ سراياهُ، فأدناهم منهُ منزلةً أعظمُهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وَكذا، فيقولُ: ما صنعتَ شيئًا قال ثمَّ يجيءُ أحدُهم، فيقولُ: ما ترَكتُه حتَّى فرَّقتُ بينَه وبينَ امرأتِه. قال فيدنيهِ منهُ ويقولُ: نِعمَ أنتَ. ” رواه مسلم .
ولكن هل لشهر رمضان بما فيه من كثرة الثواب والعفو والبركه نصيب من أفعال الشياطين وإغواءهم لبني آدم ؟ لنجيب على هذا سؤال أين تكون الشياطين فى شهر رمضان يجب علينا اولا معرفة:
أين تكون الشياطين في شهر رمضان ؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ ) وفي رواية: صفدت. وعند النسائي ( وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ).والمردة جمع مارد، وهو المتجرد للشر.
وعن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم “أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هى خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم” أخرجه أحمد في المسند والنسائي في السنن.
وعن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم ” إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادى مناد كل ليلة: يا باغى الخير أقبل، ويا باغى الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة” أخرجه الترمذى والبيهقى وابن حبان والحاكم .
واستنادا على صحة تلك الأحاديث فإن الشياطين في شهر رمضان الكريم تكون مصفدة مقيدة والحكمة من ذلك أن يمتنعوا من إيذاء المؤمنين، و يقللوا من إغواءهم للناس؛ فيحيدوا عن المخالفات ويزيد الثواب والعفو .
ولكن إذا نظرنا ودققنا النظر نجد ان كثير منا يخالف ويرتكب الذنوب والمعاصي في شهر رمضان الكريم ..فكيف لهذا أن يحدث ؟
هل لشهر رمضان نصيب من أفعال الشياطين وإغواءهم لبني آدم ؟
اختلف العلماء فى ذلك لكنهم ذهبوا فى الإجمال إلى أن:
- لا يعني تصفيد الشياطين أنه ينعدم تأثيرها تماماً ، بل يدل على أنهم يضعفون في رمضان ولا يقدرون فيه على ما يقدرون عليه في غير رمضان .
فقد ذكر النووي عن القاضي عياض في شرحه لمسلم، وصديق حسن خان في “عون الباري”. ويؤيده ما رواه البخاري في صحيحه عن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال:
أن صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ . فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئً.)
وكذلك حديث شيطان الصلاة، فهو لا ينقطع عن الوسوسة، لا في شهر رمضان ولا في غيره، فقد أتى عثمان بن أبي العاص النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا ) قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي .رواه مسلم
- ربما المراد بالتصفيد والسلسلة إنما هى للمردة ورؤوس الشياطين، دونما من دونهم، فيفعل الصغار ما عجز عن بعضه الكبار، وقيل العكس، فالمصفد الصغار، والمطلوق كبيرهم وزعيم مكرهم وكيدهم لأن الله أجاب دعوته بأن ينظره إلى يوم يبعثون ليواصل الإغواء والإغراء والإضلال، وفي كلا الحالين فالعدد يقل، والوسوسة تضعف.
- ربما المراد أن الصيام يستلزم الجوع، وضعف القوى فى العروق وهى مجارى الشيطان، فيضعف تحركهم فى البدن كأنهم مسلسلون مصفَّدون، فلا يبقى للشيطان على الإنسان سلطان كما فى حال الشبع والرى.
- ربما المراد أن الشياطين تُغل عن الصائمين المعظمين لصيامهم، والقائمين به على وجه الكمال، والمحققين لشروطه ولوازمه وآدابه وأخلاقه، أما من صام بطنه ولم تصم جوارحه ولم يأت بآداب الصيام على وجه التمام، فليس ذلك بأهل لتصفيد الشياطين عنه.
- ربما أن المراد أن الشياطين يصفدون على وجه الحقيقة، ويقيدون بالسلاسل والأغلال، فلا يوسوسون للصائم، ولا يؤثرون عليه، والمعاصى إنما تأتيه من غيرهم كالنفس الأمارة بالسوء.
الشيطان أم النفس الأمارة بالسوء ؟
صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإن الشيطان يجري في الإنسان مجرى الدم؛ ولكن انتبهوا جيدا لتلك النفس الأمارة؛ فوالله ما دفع أبناء يعقوب عندما هموا بقتل يوسف – عليه السلام – إلاها؛ عندما قال لهم أباهم يعقوب – عليه السلام – كما ذكر في كتاب الله
(قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ …) [سورة يوسف] ، وبالمثل مع زليخة عندما قالت:
” إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ … “[سورة يوسف] ، ومع قابيل وهابيل حيث قال تعالى:
” فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ .. ” [سورة المائدة].
علتنا ليست مع الشياطين فحسب..فإنك بإية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظًا ولا يقربك شيطان .. علتنا الأكبر مع أنفسنا..
فاللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين ونعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.