كان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – معروفا قبل الاسلام بمزاياه الرفيعة ومعاملته الكريمة لجميع الناس وأخلاقه وسماته الحسنة ولنتعرف على تلك السمات لابد ان نتطلع أولًا على حياته قبل الإسلام.
حياة أبو بكر الصديق قبل الإسلام
مولده ونشأته
ولد أبو بكر الصديق بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر وهي السنة الثالثة من مولد الرسول – صلى الله عليه وسلم – ونشأ في مكة تحت رعاية أبوين لهما الكرامة والعزّ في قومهما مما جعل كرامة النفس سمة من سمات أبي بكر الصديق، فقد كان عزيز المكانة في قومه.
عمله
كان – رضي الله عنه – قبل الإسلام تاجرًا ذا خلق حسن، وكان لا يخرج من إقامته في مكة إلا للتجارة، ودخل مدينة بصرى من أرض الشام للتجارة وأخذ يرتحل بين البلدان، وكان رأس ماله 40 ألف درهم، وكان ينفق منه بسخاء وكرم .
مكانته بين قومه
كان من رؤساء قريش قبل الإسلام وأهل للمشورة بينهم ومحببًا فيهم، عن معروف بن خربوذ قال: « إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أحد عشر من قريش اتصل بهم شرف الجاهلية والإسلام فكان إليه أمر الديّات والغرم ».
علمه
كانت العرب تلقبه بـ ” عالم قريش “، وقد روي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: « إن أبا بكر أعلمُ قريش بأنسابها »، فقد كان أعلم قريش بأنساب القبائل وأخبارها وسياستها، وبما كان فيها من خير وشر، وله في ذلك باعٌ طويل جعله أستاذ الكثير من النسابين مثل عقيل بن أبي طالب وجبير بن مطعم وغيرهما، وكان رجال قومه يأتونه ويألَفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وحسن مجالسته، وقد قال له رجل من المشركين يدعى: ابن الدغنه – وكانت له مكانة عظيمة في مكة – حين لقيه مهاجرًا: « والله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف وتكسب المعدوم »
مسكنه
كان أبو بكر الصديق يسكن في حي حيث يسكن التجّار؛ وكان يعيش فيه النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومن هنا بدأت صداقتهما حيث كانت أفكارهما وسنّهما والكثير من صفاتهما وطباعهما متقاربة.
مبادئه الإسلامية قبل الإسلام
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ. قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ .قَالَ: فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ.قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ.قَالَ: فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا. ( أخرجهما البخاري ومسلم عن أبي هريرة في صحيحهما ).
فالله – سبحانه وتعالى – ميّز الإنسان عن دونه من المخلوقات بالعقل الراجح والفطرة السليمة فإنه اذا فكر وتدبر يهتدي إلى نور الحق، أو إلى خطوطه العريضة، أو إلى مبادئه الكبرى، وقد كان سيدنا الصديق أبو بكر – رضي الله عنه – أهلًا لذلك كله، ومن مظاهر ذلك ما يلي:
- كان أبو بكر الصديق ممن حرّموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية، فلم يشربها قط، وقد أجاب من سأله هل شربت الخمر في الجاهلية ؟ بقوله: « أعوذ بالله »، فقيل: « ولم ؟ » قال: « كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيّعًا لعرضه ومروءته ».
- لم يسجد أبو بكر الصديق لصنم قط، قال أبو بكر في مجمع من الصحابة: « ما سجدت لصنم قط، وذلك أنّي لما ناهزت الحلم، أخذني أبو قحافة بيدي فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي: هذه آلهتك الشّمُ العوالي، وخلاني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمني فلم يُجبني فقلت: إني عارٍ فأكسني، فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخرَّ لوجهه ».
- لم يكن يعيب الأنساب، ولا يذكر المثالب بخلاف غيره.
- كانت قبيلته بني تيم تتصف بالشرف إذ أنها كانت تقوم بدفع الديّات عن الغارمين، فلما كبر أبو بكر اختار ان يقوم هو بدفع الديات ويعفي قبيلته منها.
- رغم أصله الرفيع وماله الوفير، كان أبو بكر – رضي الله عنه – متواضعًا، يحب أن يكون بين الناس كواحد منهم، لا يحب ان يميّزوه لأصله، أو لماله، لذا كان سهل المعاملة مع الناس، فأحبوه حبًا شديدًا.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [سورة العنكبوت]
فوالله ما هدى الله رجلًا إلى الحق إلا إذا طلبه، فلا ترى مؤمنًا قد اهتدى إلى الحق إلا وقد كان طالبًا له، فالحقيقة لا نصل إليها توارثًا بل نصل إليها جاهدين نتأمل ونتفكر ونتدبر، ولو أن كل إنسان تفكر بذرة واحدة من عقله الذي أنعم الله عليه به، لوجد ان الإسلام هو الدين الحق وان العبودية والربوبية لله الواحد القهار لا شريك له، فلله الملك ولله الحمد وهو على كل شئ قدير.