توالت الأحداث العظيمة في القرآن الكريم قبل البعثة النبوية، وفي ثنايا سوره وضمن آياته الكريمة قصص هامة لأممٍ سابقين، وكان من أهم الأحداث التي سبقت ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته، حادثة تعرضت لها الكعبة المشرفة فى عام الفيل قص الله نبأها في القرآن الكريم، فما هي تلك الحادثة ؟ وما هي قصتها ؟
قصة أحداث عام الفيل
عام الفيل، وهو العام الذي ولد به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد سُمِّي عام الفيل بهذا الاسم لأنه حدث فيه قدوم أبرهة الحبشي وجيشه ومعه فِيَلة لهدم الكعبة، وقد أرسل الله على هذا الجيش طيرًا أبابيل محملة بالحجارة فأهلكتهم، وثبتت هذه الحادثة بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وأتت تفاصيلها في كتب السِّيَر والتاريخ، وذكرها المفسرون .
قال الله تعالى: ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ ” [سورة الفيل]
وقال ابن كثير في تفسيره: ” كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فإنه في ذلك العام وُلِدَ على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم ـ يا معشر قريش ـ على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، خاتم الأنبياء ” .
قصة أصحاب الفيل
ذكرت كُتب السيرة أن أبرهة الحبشي كان نائباً للنجاشي على اليمن، فرأى العرب يحجون إلى الكعبة ويعظمونها، فلم يرق له ذلك، وأراد أن يصرف الناس عنها، فبني كنيسة كبيرة بصنعاء ليحج الناس إليها بدلاً من الكعبة، فلما سمع بذلك رجل من بني كنانة دخل الكنيسة ليلاً، فبال وتغوط فيها، فلما علم أبرهة بذلك سأل عن الفاعل، فقيل له: صنع هذا رجل من العرب من أهل البيت الذي تحج العرب إليه بمكة، فغضب أبرهة وحلف أن يذهب إلى مكة ليهدمها، فجهَّز جيشاً كبيرا، وأنطلق في العام الذي أطلق عليه فيما بعد عام الفيل قاصداً البيت العتيق يريد هدمه، وكان من جملة دوابهم التي يركبون عليها الفيل – الذي لا تعرفه العرب بأرضها – فأصاب العرب الخوف الشديد، ولم يجد أبرهة في طريقه مقاومة إلا من بعض القبائل العربية التي تعظم البيت.
وجاء عبد المطلب يطلب إبلًا له أخذها جيش أبرهة، فقال له أبرهة: كنت قد أعجبتني حين رأيتُك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أخذتها منك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئتُ لهدمه، لا تكلمني فيه ! قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربًا يحميه، فقال أبرهة: ما كان ليمتنع مني، قال عبد المطلب : أنت وذاك !..فردّ أبرهة على عبد المطلب إبله.
حينها عاد عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم بما حدث معه، وأمرهم بأن يخرجوا من مكة و يمكثوا في الجبال المحيطة بها. ثم توجه مع رجال من قبيلة قريش إلى الكعبة وأمسك حلقة بابها، وأخذوا يدعون الله ويستنصرونه. ومن ثم فروا من أرض الحرم جميعًا إلى رؤوس الجبال، يحتمون بها، ويترقبون ما الذي سيحل بأبرهة وقومه.
أمر أبرهة جيشه والفيل أمامه بدخول مكة. لكن الفيل لم يتحرك و برك مكانه. فضربوه ووخزوه، لكنه لم يقم من مكانه. فوجّهوه ناحية اليمن، فقام يهرول. ثم وجّهوه ناحية الشام، فتوجّه. ثم قاموا بتوجيهه جهة الشرق، فتحرّك. فوجّهوه إلى مكة فَبَرَك .
ثم كان ما أراده الله في أن يهلك أبرهة و جيشه، فأرسل الله عليهم جماعات من الطير، كل طائر من هذه الطيور يحمل ثلاثة أحجار: واحد في منقاره، و آخران في رجليه، أمثال الحمص والعدس، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك. فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة .
هاج جيش أبرهة هيجة كبيرة، و أخذوا يسألون عن نفيل بن حبيب طالبين منه أن يدلهم على الطريق إلى اليمن. فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته :
أين المفر والإله الطالب .. والأشرم المغلوب ليس الغالب
حمدت الله إذ أبصرت طيرا .. وخفت حجارة تلقى علينا
فكل القوم يسأل عن نفيـل .. كأن علي للحبشان دينـا
وأصيب أبرهة بعد ذلك في جسده، وخرجوا به معهم يتساقط لحمه قطعا صغيرة تلو الأخرى، حتى وصلوا إلى صنعاء، فما مات حتى انشق صدره عن قلبه كما يُقال .ئ
في النهاية، فإن قصة الفيل وإن كانت حادثة عظيمة، وذات شأن كبير، إلا أنها رمز واضح على نصرة الله تعالى لدينه ولبيته، فإذا كان أبرهة قد أهلكه الله، فإن أتباعه في كل مكان وزمان هالكون لا محالة، والله يمهل ولا يهمل.